كارثة موسم حج هذا العام
شهد موسم الحج لهذا العام كارثة إنسانية مروعة أودت بحياة العديد من الحجاج بسبب إهمال وتقصير السلطات السعودية، وتأتي هذه المأساة كجزء من سلسلة حوادث تدل على عجز مستمر في إدارة وتنظيم الحج، مما يثير تساؤلات حول قدرة السلطات السعودية على ضمان سلامة الحجاج.
لقد كانت هذه الكارثة ممكنة التفادي عبر تنظيم وترتيب أفضل لعملية الحج أو من خلال تقديم الإسعافات العاجلة للحجاج بعد سقوطهم، لكن ما حدث كان مؤسفاً للغاية، إذ تُرك الحجاج يموتون في الشوارع دون تقديم أي مساعدة طبية، مما يُعد إهانة لكرامة الإنسان وكرامة الحاج على وجه الخصوص، وتنصلاً كاملاً عن المسئولية التي تدعي الحكومة السعودية القيام بها على أكمل وجه.
تجاهل السلطات السعودية
رغم وقوع هذه الكارثة وانتشار عشرات الفيديوهات التي توثقها، أعلنت الحكومة السعودية نجاح موسم الحج، متجاهلةً المئات من الحجاج الذين فقدوا حياتهم، لم تكتفِ السلطات بذلك، بل لم تصدر – لمدة أسبوع كامل- بيان أو توضيح رسمي يشرح حقيقة ما حدث، على العكس من ذلك، أوعزت إلى أجهزتها الإعلامية والحسابات الإلكترونية التابعة لها بإنكار وقوع المجزرة.
الخطاب الرسمي السعودي والتهاني باسم نجاح موسم الحج لم يعكس فقط تجاهلاً واضحاً لكارثة الحج، بل كان ينم أيضاً عن ازدراء مخجل واستخفاف بحياة الحجاج.
استغلال موسم الحج للتربح
اعتبرت الحكومة السعودية موسم الحج فرصة للتربح وزيادة الدخل، ولذلك لم تُعر الاهتمام الكافي لتطوير استعداداتها لمواجهة التغيرات المناخية التي تؤدي إلى وفاة العشرات سنوياً، ويبدو أن السلطات السعودية، التي كانت مشغولة بحشد رجال الأمن لقمع أي مظهر من مظاهر التسييس في الحج حسب زعمها، قد أهملت تمامًا تأمين سيارات الإسعاف والخدمات الطبية للحجاج، هذا الإهمال الفاضح لحقوق الحجاج كشف الوجه الحقيقي للسلطات السعودية، التي تهتم بالسيطرة والرقابة أكثر من صحة وسلامة ضيوف الرحمن.
عسكرة الحج
في بداية موسم الحج انصرفت السلطات السعودية إلى حشد رجال الأمن بصورة مكثفة، وكأنها في حالة حرب، لا لشيء سوى لقمع أي مظهر من مظاهر التسييس حسب زعمها، ولكن في خضم ذلك، أغفلت أحد أهم واجباتها الأساسية، ألا وهو تأمين الخدمات الطبية للحجاج، هذا الإهمال أدى إلى وقوع الكارثة التي شهدناها هذا العام.
تكتم السلطات ومحاولات التعتيم
بعد أسبوع من تكتم السلطات السعودية على كارثة الحج، وبعد أن شنت حملات إلكترونية عبر حسابات ومشاهير تابعين للنظام السعودي لإنكار الحادثة وإلقاء اللوم على الحجاج وتشويه صورتهم، وبعد ردود الفعل الدولية على الحادثة، اضطرت السلطات للخروج عن صمتها والاعتراف بحدوث الكارثة المأساوية، لقد حاولت السلطات السعودية جاهدة تضليل الرأي العام العالمي بإنكارها لحقيقة وقوع كارثة الحج، إلا أن حجم الكارثة كان كبيراً إلى درجة تجعل من التعتيم عليها وإنكارها أمراً مستحيلاً.
يتعين على المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية الإصرار على إجراء تحقيق شفاف ومستقل في هذه الحادثة المأساوية، ويجب تحميل السلطات السعودية المسئولية الكاملة عن الإهمال الذي أدى إلى هذه الكارثة، وضمان تقديم الدعم اللازم لعائلات الضحايا وتعويضهم عن الخسائر التي تكبدوها، إن احترام حقوق الإنسان وكرامة الحجاج يجب أن يكون في صلب أي جهود مستقبلية لتنظيم الحج، بعيداً عن المصالح الاقتصادية والسياسية الضيقة.